رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا: نعيش أوضاعاً حقوقية «كارثية» (حوار)

أحمد حمزة في حوار لـ"جسور بوست": جهات أمنية تورطت في وقائع تعذيب واختطاف وإخفاء قسري بحق مدنيين

رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا: نعيش أوضاعاً حقوقية «كارثية» (حوار)
الحقوقي أحمد حمزة

تواجه ليبيا تحديات متزايدة في مجال حقوق الإنسان، حيث تتصدر ملفات حقوق المرأة وحماية الفئات المهمشة وقضايا العدالة الانتقالية أولويات النقاش العام، وفي ظل هذه الأوضاع، تلعب المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان دورًا حيويًا في رصد الانتهاكات والدفاع عن حقوق المواطنين، وسط تعقيدات المشهد السياسي والاجتماعي.

وفي لقاء مع "جسور بوست"، أكد رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أحمد حمزة، أن الشعب الليبي حرم خلال السنوات الماضية من حقوق عدة، متأثرا بالحروب والنزاعات التي شهدتها البلاد منذ عام 2011 وحتى الآن.

وأشار إلى أن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان عملت خلال السنوات الماضية على الرصد والتوثيق والمتابعة لجميع الانتهاكات التي تعرض لها الليبيون، كما عملت على تقديم كل سبل الدعم اللازم لمن تعرضوا للانتهاكات.

وكشف عن العديد من الانتهاكات التي جرى رصدها على مدار سنوات في ليبيا، وجهود المؤسسة في التوثيق والرصد من أجل محاسبة مرتكبي الانتهاكات، بجانب ما تم تقديمه من دعم للضحايا.. فإلى نص الحوار:

كيف تقيّم المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وضع حقوق الإنسان في ليبيا حالياً؟

لا شك أن حالات النزاع المسلح والحروب هي مقياس استثنائي في التقييم، ولكن في حالات الهشاشة والاستقرار الهش، وعدم وجود نزاعات مسلحة وحروب بشكلها الطبيعي المفهوم، سيؤثر ذلك على مستوى الحقوق والحريات العامة والحريات السياسية وحرية العمل المدني، وحرية الصحافة والإعلام، وأيضاً حرية العمل النقابي والعمل السياسي.، واختيار الممثلين السياسيين.

الليبيون حجبت إرادتهم وصودرت في ديسمبر وحرموا من حقهم في الانتخاب، والاستفتاء على الدستور، بالإضافة إلى حالات الاعتقال التعسفي والاحتجاز خارج إطار القانون، والاختفاء القسري، والقتل خارج إطار القانون، والقمع للحريات، والحق في التظاهر السلمي، ناهيك عن عدم الامتثال لعرض السجناء على النيابات العامة للفصل في مشروعية الاحتجاز أو في انتظامه على عرض جلسات المحاكم، من باب حق القاضي والوصول للعدالة والمحاكمة النزيهة والعادلة.

وما أبرز الانتهاكات التي ترصدونها في الوقت الراهن؟ وما الخطوات التي تتخذونها لمعالجتها؟

نحن على مستوى المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان عملنا يرتكز بالدرجة الأولى على الرصد والتوثيق والمتابعة لجميع الانتهاكات والجرائم التي ترتكب، ولكن بالدرجة الأولى نركز على الجانب المفقود والغائب، وهو دور رئيسي للدولة، فهي مسؤولة عمّا يرتكب من الجرائم مسؤولية جنائية وقانونية وأخلاقية، كذلك مسؤولة عن مبدأ الحماية والمعالجة والتعويض وجبر الضرر.

ونركز على الدعم القانوني والحقوقي للضحايا والمتضررين والناجين وأهلهم وذويهم، وهذا الدعم يتمثل في استحداث قسم خاص بالشكاوى والبلاغات، منظومة خاصة بالكامل تستقبل الشكاوى والبلاغات إلكترونياً وحضورياً، وتقديم المشورة والدعم القانوني، وبعد استقبال الشكاوى والتحقق منها يتم التواصل مع الجهات المعنية إن وجد تعاونا ومرونة، وإن لم يوجد يحال إلى المكتب القانوني لدينا لإعداد مذكرة بالرأي وتحليل الواقع وتوصيفه التوصيف القانوني والحقوقي المتكامل، ويتم إحالته طبقاً للتصنيف الموضوعي لهذه الجهات الاختصاص.

وفي عام 2024 استقبلنا قرابة 700 شكوى، حول حقوق وظيفية وعمالية واقتصادية وسياسية وسجناء حريات عامة وحقوق المرأة والطفل، وأحيلت للعديد من الجهات كل منها حسب اختصاصها ومسؤوليتها عن هذه الانتهاكات، للتدخل ومعالجة الشق الجنائي، كما أحيلت 123 شكوى إلى مكتب النائب العام، باعتبارها ذات صبغة جنائية بحتة ولها أثر جنائي تترتب عليه مسؤولية قانونية موجبة للمساءلة والمحاسبة، وحددنا جهات بعينها من واقع الشكاوى والبلاغات الواردة إلينا في توجيه الاتهام لهذه الجهات.

وثبت من خلال وقائع تم التحقيق فيها من قبل مكتب النائب العام ومكاتب المحامي العامي في (بنغازي، طرابلس، سبها، مصراتة، الزاوية، غريان) وهي تابعة لهيئة النيابة العامة وخاضعة لسلطة مكتب النائب العام، ووجهنا اتهاما مباشرا وصريحا لجهات أمنية وعسكرية تورطت في وقائع التعذيب والاختطاف والإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي خارج نطاق القانون، وعدم الامتثال للأوامر والأحكام القضائية.

كيف تعمل المؤسسة على حماية حقوق النازحين في ليبيا خاصة في ظل النزاعات المسلحة؟

اقترحنا في سنة 2018 على وزارة الدولة لشؤون المهجرين والنازحين بحكومة الوفاق الوطني إستراتيجية متكاملة وطنية، لمعالجة ظاهرة النزوح والتهجير القسري الجماعي للسكان، لأن النزوح له أسباب قد تكون لا تتعلق بالنزاعات المسلحة ولكن تتعلق بالمخاوف الأمنية أو بالكوارث الطبيعية، مثل ما حصل في درنة، نتيجة للكوارث الطبيعية فهذه حالة أشبه ما تكون بحالات النزوح الطوعية، أو ما يسمى بالهجرة العكسية من الريف إلى المدينة أو من الجنوب إلى الغرب وغيرها.

أما حالات التهجير القسري فهي نتيجة لأعمال عسكرية ونزاعات وحروب واشتباكات مسلحة، سواء بمخاوف أمنية من السكان المحليين على سلامتهم وحياتهم فاضطروا للنزوح أو التهجير القسري، أو بأوامر الإخلاء، أو لتحول أحيائهم ومناطقهم السكنية لساحات حرب، فنحن نتعامل من خلال هذه الإستراتيجية التي أحلنا نسخة منها لوزارة الدولة لعرضها على مجلس الوزارة في ذلك الوقت وإقرارها كاستراتيجية وطنية، تكون أداة ناجعة في التعامل مع كل ما يطرأ من حوادث النزوح وتهجير قسري، ولا يشمل تلك الفترة فقط، وإنما ترسم معالم إستراتيجية طويلة الأمد لمعالجة هذه الظاهرة من جذورها، ومسألة القضاء عليها مستحيلة، أما الحد منها ومعالجتها وأسبابها فهو الأساس.

ونبدأ برسم مسارات النزوح وأسبابها وتوجيه الجهات المعنية بالتدخل للتخفيف من وطأة النزوح وتحديد أماكن إيواء النازحين وبدائل السكن والإيجار، وضمانات حماية حقوق النازحين في التعليم والرعاية الصحية في استخراج الوثائق الرسمية وفي توفير موارد الحياة بالمساعدات الغذائية وغير الغذائية، وهذا مع شركائنا على مستوى المنظمة الدولية للهجرة، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في بعثة الأمم المتحدة للدعم، والهيئة الليبية للمساعدات الإنسانية والهلال الأحمر الليبي، ومنظمات المجتمع المدني العاملة في ميدان العمل الخيري والإنساني، ووزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية.

وأغلب حالات النزوح اليوم في ليبيا أسبابها ودوافعها مخاوف أمنية خشية الانتقام، أو نتيجة لتهديد التشكيلات المسلحة الخارجة عن القانون، أو بعض من المخاوف الأمنية المرتبطة ببعض الجهات، أو أعمال انتقامية شخصية ارتبطت بأسباب هذه الظاهرة، أو نتيجة لغياب دور الدولة في حماية المواطنين، وقد وجهنا في هذه الإستراتيجية بوضع باب أو فصل كامل فيها، ليُعنى بالعودة الطوعية الآمنة للنازحين واشتراطات توفير الضمانات الأمنية في العودة الطوعية، مثل ما حصل مع تاورغاء في إخلاء بعض المخيمات ومسألة الإكراه على العودة دونما إعادة إعمار مدينتهم، ودونما ضمان الاستقلالية الإدارية لهذه المدينة، التي تحولت الآن إلى فرع بلدي تابع لبلدية مصراتة.

ما أبرز التحديات التي تواجه النازحين في الحصول على الخدمات الأساسية؟ وهل هناك خطط لإعادة توطينهم أو ضمان عودتهم إلى مناطقهم؟

من أبرز التحديات السكن، والرعاية الصحية، والدعم النفسي، والمساعدات العينية الغذائية وغير الغذائية، والإدماج في المجتمعات المحلية المضيفة، كما يفتقر النازح للموارد المالية والقدرات على التنقل، وحق الرعاية الصحية واجب وهذا تحدٍ آخر، وذات الشيء وزارتا الشؤون الاجتماعية والصحة فشلتا في ضمان حقوق الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية والدعم النفسي، وتوفير بدائل السكن والإيجار، والتخفيف من وطأة المعاناة للنازحين، وهذا ما شاهدناه في قضية درنة وأيضا مرزق وتاورغاء من قبل وترهونة، وهناك نوع من المناكفة والتعاطي السياسي أو من المنظور السياسي مع قضايا النزوح، وهي قضايا لا يمكن توظيفها أو تكييفها أو تسييسها.

أما عن رؤيتنا في مسألة معالجات النزوح فهي تستند إلى رؤية إستراتيجية تبدأ بضمانات العودة الآمنة، وإعادة إعمار المناطق المتضرر منها النازحون، وجبر الضرر والتعويض والعدالة، ومحاسبة من تورطوا في أعمال التخريب لممتلكات النازحين والحرق والتدمير، أيضا من أجبر النازحين والمهاجرين على النزوح، حتى نضمن عدم تكرار هذه الممارسات في المستقبل، وأن تكون هذه العودة مصحوبة بضمانات أمنية واجتماعية تكفل حماية العائدين من السكان المحليين وإعادة إدماجهم في مجتمعاتهم الأصلية.

ما أبرز التحديات التي تواجهها النساء في ليبيا خاصة في ما يتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي؟

هناك تحديات عديدة تواجه المرأة الليبية، وما يحدث اليوم في حق المرأة والطفل وحقوق الفئات الأخرى ذوي الإعاقة وغيرهم، لم يسبق أن حدث حتى في عهد الأنظمة الاستبدادية أو الدكتاتورية والنظام الشمولي والنظام السابق، وكل ما وصف به وما حمل عليهم من الأفعال لم نتوقع أن تحدث تحت مظلة الدولة المدنية والديمقراطية التي أتت بأهداف الحرية، وضمان حماية واحترام كرامة وآدمية الإنسان والإعلاء من شأنه.

المرأة الليبية أصبحت في وضع، حتى حق القيادة لها قد يسحب في أي لحظة، نتيجة هذه الممارسات القمعية، بالإضافة إلى التنمر الإلكتروني والعنف الاجتماعي، وعدم تكافؤ الفرص في الوظيفة العامة، ونظرة الازدراء والتهكم والإساءة والتشويه والتشهير، كل هذا تعيشه المرأة، رغم كونها عنصرا فاعلا في المجتمع، ولا يمكن بناء أي أمة أو مجتمع فاعل وناهض على أسس وقواعد المساواة والعدالة الاجتماعية، ما لم تكن المرأة ركيزة أساسية فيه، وهي العنصر الفاعل الذي نراها تحرك كل المؤسسات، وهي الأكثر فاعلية وتأثيرا في المؤسسات وتنهض بها، لكننا نرى الآن من يفكر بأن المرأة يجب أن تبقى في بيتها، ويحجر عليها وكأنها كائن غير مرغوب فيه، أو يمثل وصمة عار على المجتمع ومن ينتهجون هذا النهج العدائي للمرأة ولحقوقها.

ودورنا هنا يكمن في رصد وتوثيق الانتهاكات وتوجيه ما يتعلق بنا في الشق الجنائي للسلطة القضائية، للتحقيق ومحاسبة المسؤولين عنها، وضمان حماية الحقوق الوظيفية للمرأة التي نراها من الفئات التي استضعفت وانتهكت حقوقها في الوظيفة العامة، ومورس عليها كم هائل من الانتهاكات في هذا الاعتبار، أيضا الدعم النفسي والاجتماعي وتقديم ورش وندوات وتسليط الضوء على أبرز القضايا والتحديات التي تواجه حقوق المرأة في ليبيا، وآليات معالجة هذه التحديات والحد منها، والمخاطر، والتوعية بمفهوم حقوق المرأة وأهمية دورها في المجتمع.

هل تجد المؤسسة تعاوناً كافياً من قبل السلطات المحلية والدولية في تنفيذ برامجها ومهامها الحقوقية؟

المؤسسة ترتبط بشراكات وتعاون وطيد، سواء كان مع مكتب النائب العام أو مع المجلس الأعلى للقضاء والرقابة الإدارية، أيضا بعض الوزارات كالتربية والتعليم والشؤون الاجتماعية والهيئة الليبية للإغاثة والمساعدات الإنسانية، كذلك مجلس النواب، ولجان حقوق الإنسان في مجلسي النواب والدولة، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، واللجنة الدولية للحقوقيين، كذلك مع اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ولجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والمرصد العربي لحقوق الإنسان، والآليات الإقليمية والدولية، ومع المنظمات غير الحكومية الدولية كمنظمة العدل الدولية وحتى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وغيرها، هذا التعاون يأتي في إطار القضايا ذات الاهتمام المشترك، وصلب هذا المحور للتعاون هو تعديل سياسة القانون والعدالة وضمان حماية حقوق الإنسان ورصد وتوثيق الانتهاكات وتبادل المعلومات حوله.

وهناك تعاون كبير مع كل بعثات تقصي الحقائق، التي كان آخرها التي ترأسها السيد محمد أجار، والتي أنهت مهام عملها في عام 2022م، أيضا مع مكتب المفوض السامي والمقرر الدولي للخواص، وفريق الخبراء الخاص بليبيا بمجلس الأمن، والمقرر الدولي الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام، والمقرر الدولي الخاص المعني بالإخفاء القسري، ومكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية، هذه المؤسسات يأتي التعاون معها في حماية حقوق الإنسان وهو الهدف المشترك، وتعزيز سياسة القانون والعدالة وضمان عدم الإفلات من العقاب حيال الانتهاكات الجسيمة التي تمس حقوق الإنسان، وتبادل المعلومات والوقائع حول الانتهاكات والجرائم التي تقع ضمن ولاية واختصاص، سواء كان محكمة الجنايات الدولية أو مكتب النائب العام أو القضاء العسكري عن مستوى مكتب المدعي العام العسكري، وهناك تعاون وطيد معهم.

كل هذه الجهات المعنية بالرقابة الإدارية وضمان حماية الحقوق الوظيفية تأتي في إطار التعاون وهو الهدف المشترك لضمان حماية حقوق الإنسان، وفي هذا الإطار نجد التعاون كبيرا، وهناك بعض من الجهات الحكومية التي لا تعي ولا تدرك ما أهمية ضمان حماية حقوق الإنسان، وهي نقطة مهمة أود أن نسلط الضوء عليها، فمسؤوليتنا تأتي من باب واجب إنساني وأخلاقي ومبادئ قيم عملنا وأهدافنا الدفاع عنها.

ونحن نتعامل مع مسؤولية جهات أخرى هي من ارتكبت هذه الانتهاكات، وهي جهات حكومية وجب عليها تحمل مسؤولياتها، فنحن نتعامل مع مشاكلهم بالنيابة عنهم، ونسعى إلى حلها وإيجاد معالجات لها، ونتمنى أن تكون هذه السلطات على قدر من المسؤولية القانونية والوطنية والأخلاقية والإنسانية، في أن تكون شجاعة في مواجهة هذه الإشكاليات وتعمل على حلها، لأن هذه الجرائم والانتهاكات حتى إن كانت على سبيل الحقوق الوظيفية أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والخدمات الأساسية، لن تسقط بالتقادم، وسيأتي اليوم الذي يُسأل ويُحاسب فيه مرتكبو هذه الانتهاكات وتطولهم يد العدالة عاجلاً أم أجلاً.

ما تقييمكم لوضع حقوق الأطفال في ليبيا خاصة في مناطق النزاع؟

حقوق الأطفال في ليبيا في أسوأ حالاتها وفي أدنى مؤشرات ومعدلات التقييم، بالنظر للحالة العامة لحقوق الإنسان حتى على غير القاصرين والأطفال، فما بالك بالأطفال الذين يعدون الحلقة الأضعف والأكثر هشاشة وضعفاً، ومنهم الأطفال النازحون والمشردون، الذين عاشوا في بيئة الحروب والنزاعات المسلحة والنزوح، الذين فقدوا آباءهم أو أحد أفراد أسرهم أو كليهما، ولدينا كارثة أخرى في مسألة حقوق الطفل، الأطفال أيتام الحروب، وما يعانونه من عنف مدرسي للأسف نراه ينتشر كالنار في الهشيم بالمرافق التعليمية الخاصة والعامة، في ظل صمت مطبق من وزارة التربية والتعليم وعدم اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بموجب قانون حماية الطفل أو المسؤولية التربوية واللوائح التنظيمية والتعليمات السابقة.

أيضاً حق الرعاية الصحية، فالأطفال اليوم في ليبيا نتيجة لغلاء الأسعار وتنامي مؤشرات ومعدلات الفقر والبطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأسر الليبية، أصبح عدد كبير منهم يعانون من سوء التغذية وهذه مشكلة أخرى، ستنعكس سلباً على مداركهم ووعيهم وقدرتهم الصحية والبدنية، أيضاً الأطفال يعانون من عدم تقديم الدعم النفسي لهم، والنازحون منهم الذين عاصروا النزوح لعديد السنوات، هؤلاء حُمِّلوا بكم هائل من الروح السلبية والنقمة على السلطات وعلى البلد وعلى الدولة التي تورطت في أي سبب كان من أسباب تهجيرهم ونزوحهم، وغاب دورها في الحماية الاجتماعية لهؤلاء الأطفال، ولهذا ما نخشاه أن يكون هؤلاء الأطفال حاملين لحالة من الأحقاد والانتقامات التي ترسمت مع عقل الطفل الباطن، وقد تنعكس على سلوكياتهم أو دافع في ارتكابهم جرائم في حق الدولة في المستقبل.

أيضاً الأطفال ذوو الإعاقة لم نسمع عنهم أي حديث، وأطفال ضمور العضلات كل يوم يموتون بسبب تراخي وفشل مؤسسات الدولة في ضمان حق الرعاية الصحية المنصوص عليه في قانون الصحة العامة، وهذه مسؤولية قانونية، بينما الأموال تصرف على ما لا قيمة له في الداخل والخارج.

ما جهود المؤسسة في حماية المهاجرين واللاجئين من الانتهاكات سواء من قبل الأفراد أو الجهات الرسمية؟

طوال السنوات الماضية عملت المؤسسة على ضمان حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين غير النظاميين الموجودين على الأراضي الليبية، انطلاقاً من مبدأ ومسؤولية الحماية الإنسانية المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني بغض النظر عن مشروعية وجوده على الأراضي الليبية، فهذا لا يجيز ارتكاب الجرائم والانتهاكات في حقهم، أو غض النظر عن هذه الأفعال، ففي النهاية الجريمة تبقى جريمة بغض النظر عمّن ارتكبها، ونحن نتعاطف مع الضحية في حد ذاته، فحقوق اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين غير النظاميين في صدارة الملفات والقضايا التي نعمل عليها، في إطار الدعم القانوني لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، والمتضررون والناجون مشمولون بهذه الخدمات.

وقد أحلنا عديد الوقائع لانتهاكات سواء كانت ابتزازا ماليا أو تهريب مهاجرين أو اتجارا بالبشر، وأي وقائع تعذيب وقعت بحقهم سواء في مراكز الاحتجاز أو الإيواء أو من قبل حرس الحدود التابع لوزارة الداخلية، وليبيا كما هو معروف بلد يعاني من نزاع مسلح وتنتشر فيه الجريمة والجريمة المنظمة، فضمانات حماية هذه الفئة غير متوفرة وهذا ما دعت له الكثير من المنظمات، كما اعترضنا نحن أيضاً على مبدأ الإعادة القسرية، سواء من تونس إلى ليبيا على الحدود البرية الغربية، أو مسألة الصد والاعتراض لقوارب المهاجرين في عرض البحر، أو من يتم اعتراضهم قبالة السواحل الإيطالية والمالطية واليونانية ويتم إعادتهم قسراً إلى ليبيا وإنزالهم والإبقاء عليهم بها، ثم يأتي من يتحدث عن مبدأ السيادة الوطنية وأمن الحدود ومكافحة الهجرة، بينما هو يعمل على الصد والاعتراض في المياه الإقليمية والدولية لقوارب المهاجرين بعد خروجهم من ليبيا، ويبقي عليهم خدمة لمصالح الجانب الأوروبي على حساب المصلحة الوطنية.

كل هذه الانتهاكات أحيلت إلى شكاوى -باعتبارها بها شق جنائي واضح- إلى مكتب النائب العام وخاصة منها ما يتعلق بمراكز الإيواء غير الشرعية التي أنشأها جهاز حرس الحدود في العسة والجميل، والتي رصد فيها الابتزاز المالي مقابل إطلاق السراح والحصول على جواز السفر، أيضا العمالة القسرية في عملية الإنشاءات والبناء والطلاء للمرافق المتعلقة بالجهاز.

وقد تمكنا في سنة 2022 بالتعاون مع مكتب النائب العام بإغلاق أسوأ مركز إيواء في غرب البلاد وهو مركز المايا للمهاجرين التابع لإدارة مكافحة الهجرة والتوطين بجهاز دعم الاستقرار، وهو كان يخضع لسلطة نائب رئيس الجهاز في ذلك الوقت، وتم بقرار من مكتب النائب العام توجيه الحكومة بإغلاق هذا المركز.

ما الجهود المبذولة لضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؟

نعمل على التوعية والتثقيف بحقوقهم عبر منصاتنا الرسمية، كما نعقد ورش العمل والندوات بالتعاون مع الرابطة الليبية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية والحركية والسمعية، ونسعى للتعاطي مع حقوقهم، إذا ما كان هناك انتهاك لحق حالة محددة تلجأ إلينا بتقديم شكوى، فيتم التدخل لدى الهيئة العامة لصندوق الضمان الاجتماعي ووزارة الشؤون الاجتماعية، وكذلك الجهات الرقابية المختصة، بغية الضغط على هذه الجهات لإلزامها بضمان الإيفاء بالحقوق الواجبة لهذه الحالة.

وفي حال ما ارتأينا عدم الاكتراث أو الالتزام بحقوقهم أو تجاهل الحالة في ذاتها نلجأ إلى تحريك الدعوة الجنائية في الإهمال بأداء الواجب، وإساءة استعمال السلطة للإضرار بالآخرين، لأن كل انتهاك لحقوق الإنسان قبل أن تكون له معالجة إجرائية أو حقوقية لديه نص قانوني يقابله، لهذا نلجأ إلى تعديد الخيارات، ليست الغاية إدانة وتجريم هذه الجهات، لهذا نسعى إلى تنبيه هذه الجهات بالمخالفات المرتكبة وسبل وآليات المعالجة.

كيف تعملون على دمج الفئات المهمشة في المجتمع وضمان وصولهم للفرص المتاحة؟  

يمكن الحديث عن الفئات المهمشة، عندما يكون المجتمع ينعم بـ80 إلى 90 في المئة من حقوقه، ولكن للأسف المجتمع الليبي أغلبه مهمش، وإذا ما تحدثنا عن العجزة والمسنين والأطفال والنساء وذوي الإعاقة والنازحين والمهجرين، وإذا ما تناولنا البطالة والفقر والرعاية الصحية، كل هذه الشرائح حقوقها منهارة ومهمشة ومنتهكة، ولكن هناك ما يسمى بالفئات المستضعفة والأكثر تأثرا واحتياجا، وهو الوصف الأدق في رأيي، مع الحالة العامة في التهميش وهضم الحقوق وانعدام المساواة والعدالة الاجتماعية، وهم الأطفال والنساء والعجزة والمسنون وذوو الإعاقة وكبار السن والأيتام والأرامل والمطلقات، هذه الفئات نراها هي الأكثر احتياجا وتضررا من الحالة العامة لانعدام العدالة الاجتماعية والتهميش.

وفي سنة 2022 عقدنا ورشة عمل حول حقوق الفئات المهمشة وتطرقنا فيها للنازحين والمهجرين واللاجئين وطالبي اللجوء وأصحاب الأرقام الإدارية، وهم مواطنون ليبيون بحكم الانتماء لهذا الوطن كالطوارق والتبو والأمازيغ، وبعض المكونات العربية الأخرى في جنوب وشرق البلاد كالجوازي والفرجان والقذاذفة وأولاد سليمان في الجنوب وبعض القبائل العربية الأخرى، الذين لم يتمكنوا من الحصول على بطاقة إثبات هوية، حتى جثامينهم لا تدفن لعدم وجود رقم وطني وتبقى معلقة، كذلك حق التعليم والرعاية الصحية، وحق أداء فريضتي العمرة والحج لم يتمكنوا منه، لأنه ليس لديهم جوازات سفر ليؤدوها، وهي وصمة عار في جبين الدولة الليبية.

وكل الجهود المبذولة في هذا الشأن تبقى فقط قرارات دون تنفيذ، وهذه حقوق واجبة على الدولة تجاه مواطنيها، والأمن القومي لا يجزأ، وأولى بنا أن نحقق مبدأ الأمن القومي في إجلاء القوات والقواعد الأجنبية و20 ألف مُسلح دخلوا البلاد خلال السنوات الماضية، وهي إحصائيات أعلنت عنها الأمم المتحدة، ويجب ألا نحصر الأمن القومي في أناس عجزة ومسنين وأطفال ونساء ينتمون لهذا البلد أكثر ممن أتاها اليوم حديثاً، ولديهم ارتباط بهذا البلد، ولا بد للدولة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه مواطنيها وألا تغفل هذا الأمر.  



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية